الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

شهادات 30 فتاة خرجن للمشاركة فى الاحتفالات..

 

 العيد فرحة ولحمة و"تحرش".. شاب يحرق شعر مراهقة عقابًا على استغاثتها بالمارة من "هتك عرضها".. والمجتمع: "إيه اللى وداها

 


جانب من الاحتفالات


لم تعد مغادرة الفتيات منازلهن، وممارسة حقهن الطبيعى فى التنزه خلال إجازة العيد، أمرًا سهل المنال، أو حقًا من الحقوق الطبيعية المتاحة، ففى الشارع مخاطر ليس سهلًا تجاوزها، وفى الطرقات يتربص «المتحرشون».

من النظرات الوقحة الفضولية اللزجة، مرورًا بالألفاظ الجارحة المتبجحة، والعبارات الجنسية الوقحة، والملاحقات من شارع إلى شارع، ومن زقاق إلى زقاق، كما تلاحق الضوارى الفرائس، وصولا إلى التحرش البدنى، والسطو على جسد الفتيات بأيادٍ آثمة، فيما الأمن لا يكاد يحرك ساكنًا، فالأمر أصعب من أن تتم السيطرة عليه، وشيوع التهمة لا يجعل ثمة تهمة.

لن تخرجى من البيت، ولو أن صديقاتك يردن أن يلتقين بك، فأهلا وسهلا بهن فى البيت، أنا رجل محافظ، يقولها الأب بلغة آمرة حاسمة، وتومئ الأم برأسها موافقة، فيما عينا الفتاة تتوسلان أن يرأفا بحالها، ويسمحا لها بأن تحظى بأبسط حقوقها.. محض نزهة فى العيد.

كبار السن فى الشوارع، تبلدوا من فرط شيوع المشهد الموسمى، فالعيد للمتحرشين، ونحن مجتمع متدين بطبعه، وإذا فكر أحدهم على أن يتدخل بإسداء نصيحة، فإنما هى إلى المجنى عليها: «إيه اللى يخرجك فى الأيام دى، روحى ارجعى بيتك باحترامك أحسن».

واقع غريب وظاهرة لم يعرفها المجتمع المصرى إلا مؤخرا، وقد تفاقمت إلى درجة أن أحد المسؤولين بمبادرة «شفت تحرش»، يكشف عن أن المبادرة تتابع مع الجهات المعنية بالدولة شكوى فتاة أشعل بها شاب النيران لأنها رفضت أن يتحرش بها، إلى درجة أن النيران أتت على فروة رأسها وسببت لها تشوها دائمة.

فعيد الأضحى لم يعد عيدا للحمة كما يقال، والعيد عموما لم يعد فرحة كما تقول أغنية صفاء أبوالسعود الشهيرة، لكنه أيضا للتحرش.

«اليوم السابع» استطلعت آراء 30 فتاة، فأجمعن على أن الخروج من بيتهن فى البيت، يعتبر «مغامرة محفوفة بالمخاطر»، ففى الشارع لا مكان إلا لشريعة الغاب، بعد أن ماتت النخوة فى شرايين المجتمع، وصارت الضحية تتعرض للجلد فيما الجانى يتحول إلى مسكين، لا ذنب له، فملابس الفتاة وزينتها قد حركتا غرائزه، ونحن فى مجتمع فقير، ومعشر الشباب لم يعد بوسعه الباءة.

بعض الفتيات قلن إنهن يلجأن إلى حمل بعض وسائل الدفاع عن النفس فى حقائبهن، كالعصى الكهربائية والبخاخات التى تحتوى على غازات مهيجة للبشرة وما إلى ذلك من أشياء ممنوعة بحكم القانون، لكن أليس التحرش ممنوعًا أيضًا، وطالما الشرطة لا تتدخل لحمايتهن قانونيا، فلا يجب لومهن على أنهن يلجأن لما يعتبرن أنه الوسيلة المناسبة لضمان أمنهن الشخصى.

وأجمعت الفتيات على أن التحرش بات وباءً، لا يستثنى محجبة أو منتقبة أو متبرجة، فطالما أن «الإنسان» مؤنث، يتحول إلى هدف مباشر مسموح بالهجوم عليه وانتهاكه من قبل كل من فى نفسه مرض، فالسعار والشهوة وصراخ الرغبة لا يجعل للعقل مكانًا.

هذا الواقع المخيف الفوضوى، يدفع خبراء علم النفس إلى التحذير من أن بعض الفتيات يصبن بصدمات نفسية عنيفة، جراء ما يتعرضن له من اعتداءات، بينما ترصد تقارير المبادرات المناهضة للتحرش ما تصفه بالحالة المتصاعدة لـ«التجرؤ والتبجح» الذى يتسم بهما سلوك المتحرشين خصوصا المراهقين دون الخامسة عاشرة.

وتقول منى حسن طالبة بكلية التجارة: «آخر مرة خرجت فى العيد كانت منذ 4 سنوات، بعدها لم أعد أجرؤ على مغادرة عتبة الدار إلا بصحبة أهلى، والمؤسف حقا أننى حتى لدى خروجى مع أسرتى، لا أسلم من نظرات أو كلمات خارجة أو ترّهات يقترفها الشباب أمام المارة، فالأمر أصبح جارحًا مؤلما، والفتاة أصبحت تشعر بأنها شريحة لحم يريد الجميع أن يلتهمها على مرة واحدة».

وتروى منى عددًا من الوسائل التى يستخدمها المراهقون للتحرش بالفتيات، فتقول: أسوأ ما يمكن أن يحدث أن يتجمع عدد من الشباب حول فتاة ما، فى حديقة عامة مثلا، حتى تسقط أرضًا، ومن ثم ينقضون عليها، فيسطون على جسدها بلمسات خادشة للأدب والحياء والأخلاقيات، موضحة: «لقد رأيت هذا المشهد المفجع بنفسى، ومنذ ذاك الحين لم أعد أغادر بيتى فى العيد».

وتلتقط سهيلة عمر «مترجمة» طرف الحديث قائلةً: «معظم المتحرشين صغار فى العمر، ويسيرون فى مجموعات، ويتمركزون فى وسط البلد، بحيث ترصد عيونهم الفرائس، وحين يتوافقون على اختيار ضحية، يتحركون كما لو كانوا فيلقًا عسكريًا مدربًا، مضيفة «أعتقد أن هذه الفتاة لن تنسى أبدا هذا الموقف وستتبنى موقفًا عنيفًا ضد المجتمع الذى لم يحرك ساكنًا فيما هى تستغيث بمن يمد إليها يدًا تنتشلها لكن صرخاتها ذهبت سدى».

وتقول سارة عادل طالبة بالثانوية العامة: «ما أراه أمام مدرستى بالهرم من مضايقات الشباب للفتيات يدفعنى إلى المكوث بالبيت طولا أيام العيد». وتضيف «من الملاحظات المهمة أن ظاهرة التحرش تزاد بشكل لافت فى وسط البلد وترتفع إلى أقصى حدودها فى الأماكن الفقيرة، أما فى المراكز التجارية والفنادق والأماكن الراقية فلا تكاد توجد الظاهرة، الأمر الذى يطرح سؤالا حول ما إذا كانت هناك علاقة بين الفقر والتحرش».

«ندى. أ» طالبة بكلية الحقوق تقول: «لى تجربة مريرة مع كورنيش النيل، حيث تنزهت ذات مرة مع صديقاتى، ولسوء الحظ قررنا أن نمشى بعض الوقت على كوبرى قصر النيل، وفيما كنا نسير فى الطريق، شرع شاب يتحرش بنا لفظيا، فقررنا رغبة فى النأى عن الشر، أن نهرول بعيدا عنه فنعبر الشارع إلى الجهة الأخرى، فما كان إلا أن انتفخ مزهوًا بقدرته على إخافتنا، ومن ثم فوجئت به ينقض علىّ تحديدا، ويلمس أجزاء من جسدى، وأنا أستغيث وأصرخ وصديقاتى يبكين، والمارة يعبرون الطريق كأن شيئا لا يحدث أمامهن».

وتقول: «المراهقون أصبحوا غير مستعدين على الامتثال لأى وازع من دين أو ضمير أو أخلاق، لدرجة أنه لو هددت الفتاة باللجوء إلى الشرطة لا يأبهون بالأمر، ويواصلون سخافاتهم بدون أن يرتعش لهم جفن».

وتؤكد ندى أن عبارة «فسحة العيد» خرجت من قاموس حياتها ولم ترجع إليه، بعد التجربة الأليمة التى مرت بها على كوبرى قصر النيل، موضحة أنها تشعر أحيانا بالرغبة فى النزول إلى الشارع وفى حقيبتها سكين أو ما شابه حتى تقتص من أول شاب يتحرش بها، وتقول: «التجربة الأليمة لا تخرج من الذاكرة، وإذا كانت الدولة غير قادرة على أن تحمى أمن الفتاة فى الشارع، فلتسمح لنا بحمل السلاح، وعندئذ سنقضى على الظاهرة التى أصبحت وصمة عار على جبين المجتمع».

وتقول «إيمان. أ» خريجة كلية الآداب: «الحبس فى البيت أرحم من الإهانة التى تتعرض لها الفتاة فى حال خروجها من بيتها، خصوصًا أن المجتمع يقف مع الظالم ضد المظلوم، فالفتاة فى كل الحالات هى السبب، وجسمها المثير هو مصدر الفساد، وملابسها الضيقة حركت الغرائز، وعلى الأرجح هى التى أوحت للشاب باستعدادها لاقتراف عمل ما، الأمر الذى دفعه إلى ملاحقتها.. وهكذا بلا نهاية ولا ضمير، يكيل المجتمع الاتهامات للفتاة».

تضيف: وسائل المواصلات فيها كل أنواع التحرش، فعربة السيدات بالمترو أصبحت مشاعًا للشباب، يستقلونها بالقوة رغم أنف الجميع، ويشرع كل منهم فى ممارسة أفعاله اللا أخلاقية، وشعارهم «هن غنائم ومتاع لنا».

وتقول: «فى العيد الماضى اعترضت الفتيات بإحدى عربات المترو على ركوب الشباب، فما كان إلا أن أشعلوا الشماريخ تحت أقدامهن، وتحولت العربة إلى مزيج من صرخات الخوف ورائحة الدخان وقهقهات العابثين».

أما «نهلة. ك» طالبة الثانوية العامة، فقد مرت بتجربة وصفتها بأكثر التجارب الحياتية إيلامًا إلى درجة أنها تقول: «تمنيت الموت دون أن أمر بهذه المأساة».
وتقول: «أعيش بمنطقة إمبابة، وفى العيد الماضى، سمح لى لأول مرة أن أخرج للتنزه بصحبة صديقاتى، وقد استغرق الأمر وقتا طويلا لإقناع أسرتى بالأمر، ولما خرجنا قررنا الدخول إلى سينما، وليتنى ما فعلت».

وتواصل «كانت هناك حشود من المتحرشين يقفون على باب السينما، احتكوا بأجسادنا، ولاحقونا بعبارات قذرة دنيئة، وشتائم وكلمات سخيفة، فهربنا من أمام السينما إلى الجهة الأخرى من الشارع، انتظارًا لبدء الفيلم، ولما رجعنا ودخلنا القاعة، كان متحرشون آخرون داخل القاعة، ولست فى حاجة بالطبع لأن أروى ما حدث فى الظلام، ولا أن أتحدث عن الاستغاثات التى ذهبت سدى، فى ظل عدم قدرة رجال الأمن على أن يحركوا ساكنًا».

تقارير المبادرات المناهضة للتحرش الجنسى ضد المرأة رصدت أكثر الأماكن التى تزيد فيها معدلات التحرش أثناء العيد فى منطقة وسط البلد، وخصوصا أمام دور العرض السينمائى، والمراكب النيلية بامتداد كورنيش النيل، وأمام ماسبيرو وميدان طلعت حرب، ومحيط ميدان عبدالمنعم رياض، إلى جانب بعض المراكز التجارية الموجودة فى مناطق كثيفة بالسكان، فضلا عن الحدائق العامة وأشهرها حديقة الفسطاط، وحديقة الحيوان، وحديقة الأورمان، والحديقة الدولية، وحديقة طلعت حرب، وأخيرًا مداخل مترو الأنفاق.

فى تقرير حول عيد الفطر الماضى، أشارت مبادرة ضد التحرش إلى تراوح أعمار المتحرشين بين 10 و 18 عاما، كما رصدت تجرؤ وتبجح مرتكبى الجرائم، لدرجة تعرض عضوات الحملة أنفسهن للمضايقات، مثل الواقعة التى حدثت بميدان طلعت حرب، حيث رفع المتحرشون أسلحة بيضاء وصواريخ نارية فى وجه أعضاء الحملة وأدى إلى إصابتهم. وقالت المبادرة: «أفراد الشرطة لم يكونوا على قدر المسؤولية الموكلة إليهم ولم يستطيعوا التدخل وإنقاذ الفتيات والنساء من جرائم العنف الجنسى لعدم تأهيل هذه القوات، ويجب أن يتم تأهيل قواتها النظامية على كيفية التصدى للتحرش».

وفى طنطا، لقيت شروق التربى حتفها أول أيام العيد الماضى تحت عجلات سيارة أحد المتحرشين.. بعد أن هربت الفتاة مسرعة لتعبر الشارع فلاحقها بسرعة أدت إلى دهسها تحت العجلات، وانتهت التحقيقات بعد شهرين إلى توجيه تهمة القتل الخطأ إلى المتهم.

وعلى الرغم من تغليظ العقوبة الجنائية للتحرش فى قانون 11 لعام 2011 والذى يعدل قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1983، ويحمل مسمى قانون «هتك العرض» إلى الحبس المشدد، وإلى الإعدام فى حالة الاغتصاب، إلا أن الواقع يشير إلى أن كل ذلك يذهب هباء فى «قانون الشارع».

فتحى فريد، منسق مبادرة «شفت تحرش» يقول: أغلب المحاضر، وهذا إذا كانت الفتاة جريئة وقامت بعمله، تحفظ فى الأدراج المغلقة، وأحيانًا يتم شطبها قبل أن تذهب للنيابة حتى أغلب الأسر المصرية تنزعج من اسم الجريمة «هتك عرض» موضحًا أن معايير السمعة والعيب تحاصر الفتيات فتدفعها إلى التنازل عن حقها.

يضيف «الأزمة الثانية فى القانون هى آلية الاعتراف بالواقعة نفسها، فالفتاة مطالبة بأن تلقى القبض على المتحرش، وتأتى باثنين من الشهود، ومن ثم تقوده إلى قسم الشرطة، وهذا أمر خرافى لا يمكن تحقيقه».

ويؤكد أن هناك بؤرًا للتحرش وهى التى ينزح إليها فى الأغلب أفراد المناطق العشوائية أو المناطق ذات المستوى المتوسط، قائلا: لا تكاد تكون هناك سيطرة أمنية من الأساس، وكأن الداخلية تدخر جهدها لحماية الأماكن الراقية والأعلى مستوى، ولا تعترف بوجود جريمة تحرش، وما يحدث بالأعياد مجرد لعب العيال.

ويقول: طالما طالبنا بتغيير القانون حتى يحمى حق الفتاة من المتحرش بأن يضمن القانون حبسه فى سجن يوفر له التأهيل النفسى، وأن تكون الغرامة عليه تصاعدية، لكن لا حياة لمن تنادى. ويعتبر فتحى أن المبادرات المناهضة للتحرش التى طرحتها المؤسسات المعنية بكثافة مؤخرًا مجرد محاولات متواضعة من المجتمع المدنى لن توقف الظاهرة بدون أن تقوم الدولة بالتدخل بنفسها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.